الأحد، نوفمبر 08، 2015

جريمة محاولة قلب نظام الحكم ... ثقافة قانونية

هذا مطلب من بحث  كنت قد اعددته سابقا وتناولت فيه موضوع "الجرائم الواقعة على أمن الدولة من جهة الداخل "

نصت المادة 130 من قانون العقوبات القطري على انه :

( يعاقب بالإعدام , كل من حاول قلب نظام الحكم القائم البلاد , او الاستيلاء عليه بالقوة , او بالتهديد باستعمالها

فإذا وقعت الجريمة من عصابة مسلحة , يعاقب بالإعدام كل من الف العصابة , او تولى زعامتها أو قيادة ما فيها)

المصلحة المحمية وفقا لهذا النص:

أولا: يهدف هذا النص إلى حماية نظام الحكم من خطر الانقلاب , وكما سنبين إن هذا النظام (نظام الحكم) يتحدد وفقا لمعنيين أحدهما واسع والآخر ضيق.

أما المعنى الواسع لنظام الحكم فيشمل الهيئات الحاكمة أي القائمة على السلطات العامة في الدولة كما نظمها الدستور (التشريعية والقضائية والتنفيذية) كما يشمل أيضا كيفية ممارسة هذه السلطات العامة , و شكل الحكم . وينصرف المعنى الضيق لنظام الحكم إلى السلطة العامة أي السلطة التنفيذية وحدها , وهي التي تقوم بتنفيذ القوانين وإدارة المرافق العامة .


وهذا المعنى الضيق هو المعنى الذي تحميه المادة (130) من قانون العقوبات القطري والذي يشمل السلطة التنفيذية وحدها وليس السلطات ككل ويتضح ذلك من النص الذي أغفل  ذكر حماية الدستور وتضمينه للمادة كعنصر في المصلحة المحمية وعدم تجريم محاولة تغييره وهذا مأخذ على المشرع القطري حيث لم يكفل حماية الدستور وضيق حدود المصلحة المحمية والتي أوجزها في السلطة التنفيذية فقط بعكس المشرع البحريني حيث نص في المادة (148) من قانون العقوبات البحريني على أن "يعاقب بالسجن المؤبد كل من حاول بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الأميري أو شكل الحكومة أو الاستيلاء على الحكم , فإذا وقعت الجريمة نتيجة سعي أو تخابر مع دولة أجنبية أو مع أحد ممن يعمل لمصلحتها أو وقعت من عصابة مسلحة فيعاقب بالإعدام من سعى أو تخابر أو مع دولة أجنبية أو مع أحد ممن يعمل لمصلحتها او وقعت من عصابة مسلحة فيعاقب بالإعدام من سعى أو تخابر أو من ألف العصابة وكذلك من تولى زعامتها أو تولى فيها قيادة ما".

المشرع البحريني من خلال هذا النص تفوق على المشرع القطري حيث انصرف إلى الحماية بمعناها الواسع الذي يشمل كلا من الهيئات التي تباشر سلطات الدولة وكيفية ممارستها للسلطة وشكل الحكم وهذا ما اتضح جليا من نصه على الدستور كعنصر في المصلحة المحمية فحمأيه الدستور والتي لم يوليها المشرع القطري حقها في نص المادة (130) لا تكون بالإبقاء على نصوصه مطبوعة او منشورة , وإنما تكون بالإبقاء على النظم التي كفلها ونظمها , ولهذا فان الدستور كما ينتهي بالأسلوب العادي عن طريق السلطة التي يحددها , فإنه أيضا ينتهي بأسلوب غير عادي عن طريق الثورة أو الانقلاب, فبقاء الدستور لا يتسنى إلا بالإبقاء على نظام السلطات العامة ككل وبمعناها الواسع وليس بالإبقاء على السلطة التنفيذية وحدها . 

أركان هذه الجريمة

أولا: الركن المادي :

يتوافر الركن المادي لهذه الجريمة عن طريق المحاولة بالقوة لقلب نظام الحكم , وقد سبق وان بينا المصلحة المحمية بالتجريم , ويبقى أن نحدد مضمون هذا الركن المادي , وهو يتكون من عنصريين اساسين هما المحاولة واستعمال القوة .

1-المحاولة :

يثير تحديد معنى المحاولة كثيرا من الدقة نظرا الى إن مراحل ارتكاب الجريمة تبدأ من الأعمال التحضيرية , ثم البدء في التنفيذ , حتى إتمام الجريمة فاذا وقعت عند حد البدء في التنفيذ اعتبرت شروعا في الجريمة , فما هو المقصود بالمحاولة؟

قبل ان نبين مدلول المحاولة نستعرض موقف القانون المقارن في هذا الصدد , وهو ينقسم الى اتجاهين :

الأول: يشترط ان يصل النشاط الاجرامي الى حد البدء في التنفيذ , والثاني يكتفي بما دون ذلك من الأفعال .

ويمثل الاتجاه الأول : قانون العقوبات الفرنسي فقد نص على معاقبة الاعتداء الذي يهدف إلى قلب أو تغيير النظام الدستوري للدولة المادة (86/1),ثم نص على ان التنفيذ والشروع وحدهما يتكون منهما الاعتداء المذكور (86/2) .

اما الاتجاه الثاني فيمثله قانون العقوبات السويسري الذي نص على معاقبة من يرتكب عملا يهدف الى تعديل الدستور بالقوة أو قلب السلطات السياسية بالقوة أو جعلها بالقوة في حالة تستحيل معها ممارسة سلطاتها المادة (265) وكذلك كل من يرتكب عملا يهدف إلى قلب أو تغيير نظام المؤسس على الدستور بطريقة غير مشروعة المادة (275) وذهب الفقه السويسري إلى انه لا يشترط في هذا العمل أن يصل الى مرحلة الشروع لان القانون يعاقب كل من يهدف إلى تحقيق هذا الغرض ,وبالتالي فإن النموذج القانوني لهذه الجريمة يتسع للأعمال التحضيرية .

وبالنسبة للمشرع القطري فقد وقف موقفا وسطا بين هذيين الاتجاهيين , فلم يشترط في الفعل ان يصل إلى مرتبة الشروع كما لم يكتفي بمجرد الاعمال التحضيرية , بل اقتصر على ما سماه بالمحاولة .

وقد اجتهد الفقه في تحديد المقصود بالمحاولة , وانه اذا تصورنا الشروع في جريمة قائمة بذاتها كانت المحاولة شروعا في الشروع , فينما يتحقق الشروع بالبدء في تنفيذ الجريمة فإن المحاولة تتوتر بالفعل المؤدي حالا ومباشرة إلى هذا البدء في تنفيذ الجريمة . ويجب في جميع الأحوال أن تتجاوز المحاولة مجرد التصميم او الاتفاق او التخطيط للجريمة بل يجب ان يصل الامر الى الاعمال الى مرحلة البدء في تنفيذ الانقلاب

وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض المصرية بأن المحاولة هي دون الشروع من الأعمال التي يقصد بها الوصول إلى الجريمة إن لم تصل الى البدء في التنفيذ .

وهنا لا يكفي مجرد الاعمال التحضيرية بل يجب أن تجاوزها بحد يسير , ولذلك فإن مجرد شراء السلاح هو مجرد عمل تحضيري أما توزيعه على المتآمرين فهو نوع من المحاولة , ويستوي امام القانون أن يكون الاعتداء على المصلحة المحمية قاصرا على مجرد المحاولة أو وصل الى حد البدء في التنفيذ أو الانقلاب الفعلي . فالنموذج القانوني للنشاط الإجرامي هو مجرد المحاولة ولكنه يتسع إلى ما يزيد عن تلك من الأفعال . لقد رأى المشرع القطري انه لا يمكن الامر لحكومة الانقلاب , كما أنه لم يشترط البدء في التفخيذ , وهذا ما أكدته محكمة امن الدولة الدولة العليا المصرية في احد محاكمها " لا يتصور ان تطلب من سلطات الأمن عدم التصدي والتدخل الابعد الشروع في الفعل المؤدي لقلب نظام الحكم بالقوة والا لكان تدخل سلطات الامن بعد فوات الأوان "

ويلاحظ انه وان كانت المحاولة بحسب طبيعتها هي جريمة ناقصة , الا ان المشرع عالجها بوصفها جريمة قائمة بذاتها لا بوصفها شروعا في جريمة أخرى , ولذلك فانه لا تأثير على  العدول الاختياري للجناة في وقوع جريمتهم , هذا بخلاف الحال في القانون الفرنسي فإن العدول الاختياري يحول دون وقوع الجريمة .

وتفترض المحاولة عمليا تعدد الجناة وان تكون مسبوقة باتفاق جنائي بينهم , على انه لا مانع من الناحية النظرية ان تقع الجريمة من شخص واحد .

وقد ذهب بعض ان هذه الجريمة لا يتصور فيها وقوع النتيجة التامة التي يستهدفها الجناة وهي الانقلاب وذلك بناء على انه  بعد وقوع الانقلاب فعلا فأنه لن توجد السلطة التي تقوى على محاكمة الجناة ، وقيل بان هذه الجريمة تكاد تكون الجريمة المثالية الواجب تأثيم المحاولة فيها لأنه لا يتصور العقاب عليها عند إتمام قلب نظام الحكم فعلا ، ومن امثلة ذلك الانقلاب الذي حدث في قطر عام 1995 وهو انقلاب ذو مضامين إيجابية .

والواقع من الامر , ان قلب نظام الحكم فترة معينة دون استقرار حقيقي لا يعني قلب نظام الحكم فعلا , فقد لايتتسب الامر لحكومة الانقلاب فتسقط عن أيدي رجال الانقلاب مقاليد السلطة ويقعون في قبضة الحكومة الجديدة , ومن أمثلة ذلك الانقلاب الفاشل الذي وقع في السودان عام 1971 والذي تم القضاء عليه بعد أيام من تشكيل حكومة الانقلاب .

مع هذا لا يعني الاستيلاء المؤقت على السلطة مهما طال أمده إن الانقلاب قد تم واستقر , بل هو لازال في مرحلة المحاولة طالما كان يعوزه الأمن والاستقرار.

2- استعمال القوة :

نصت المادة (130) من قانون العقوبات القطري على ان تكون المحاولة بالقوة , مما يقتضي معه ان يصدر من الجاني فعل من أفعال القوة , فمجرد القول او الكتابة او الاثارة لا يكفي وحده لقيام عنصر القوة , دون اخلال بألعاب على ما ينطوي عليه من جرم اخر .

والقوة التي يعنيها النص هنا هي القوة المادية التي اقترفها الجاني , وتتمثل في جميع أفعال الاكراه او العنف او القسر , وهي في مجموعها تهدف الي تعطيل إرادة من وجهت اليهم هذه الأفعال , فالقوة هي مجرد وسيلة لتغيير إرادة الغير وحملها نحو الانصياع لمطلب صاحب القوة, وقد تتمثل القوة في بعض مظاهر العنف المادي مثل تنظيم المظاهرات الشعبية وتسييرها كأداة للضغط على الحكومة , ولا يشترط في السلاح المستخدم ان يكون سلاحا بطبيعته , بل يكفي ان يكون سلاحا بالاستعمال , وهنا يجدر التنبيه الى ان القوة تعتبر الوسيلة التي اشترطها القانون لتجريم المحاولة , فلا قيام لهذه الجريمة اذا لجا الجاني الى وسيلة أخرى لا تنطوى في ذاتها على معنى القوة , على انه لا يشترط ان تكون القوة هي الوسيلة الوحيدة للمحاولة , فلا باس بالاستعانة معها بوسائل أخرى غير مشروعة .

الركن الثاني : القصد الجنائي :

يعتبر القصد الجنائي هو اتجاه إرادة الجاني الى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها ونتيجتها , ويعد القصد الجنائي بانه الركن المعنوي للجريمة وهو يتمثل في عنصري العلم والإرادة . فالنسبة للعلم يجب ان يكون الجاني عالما علما يقينا غير مقترن بأي جهالة بان فعله سوف يحدث عملا إجرامي يعاقب عليه القانون , فمثلا من يقوم باجتياز منطقة محظورة ظنا منه انه مكان عادي وغير ممنوع فهنا ينتفي القصد الجنائي لانتفاء العلم ، أما بالنسبة للإرادة فيجب ان تتمتع إرادة الجاني بالحرية التامة فلا يكتمل القصد الجنائي اذا كانت إرادة الجاني معيبة كإرادةالسفية وذي الغفلة والمجنون أومن وقع تحت تدليس أو المكر ه على شيء ,فمنوقع على سيكبدون رصيد وهو تحت التهديد والاكراه تنتفي في حقه الجريمة لانتفاء القصد الجنائي , حيث أنه لولا هذا الاكراه ما أقدم على ذلك الفعل ، والاكراه الذي تتعرض له إرادة الجاني قد يكون اكراها ماديا كالضرب مثلا او اكراها معنويا كالتهديد بإلحاق الأذى بشخص ما , هذا القصد الجنائي بشكل عام وفي جريمة قلب نظام الحكم ففضلا عن توافر القصد العام ,يشترط لوقوع هذه الجريمة توافر قصد جنائي خاص هو نية الانقلاب ، وعلة ذلك ان الركن المادي لهذه الجريمة يتم بفعل ينطبق عليه وصف المحاولة ، ولا يشترط فيه وقوع الانقلاب فعلا ، ومن ثم فان  واقعة الانقلاب تبدو عنصرا بعيدا عن الركن المادي للجريمة ولذلك كان انصراف قصد الجاني نحو تحقيق هذه الواقعة يعتبرا قصدا جنائيا خاصا .

ونية الانقلاب هي نية قلب النظام الأميري أو شكل الحكومة ، فإن لم تتوافر هذه النية لا تقع الجريمة ، فاذا انصرف قصد الجاني من وراء المحاولة الى مجرد حمل أمير البلاد أو نائبه على القيام بعمل معين أو الامتناع عنه ،مما لا ينطوي على تغيير النظام الاميري أو شكل الحكومة لاتقع هذه الجريمة ،إنما يخضع فعله لحكم المادة 133 من قانون العقوبات القطري .

العقوبة المقررة لتلك العقوبة هي الاعدام ، وفي حالة وقوع الجريمة من عصابة مسلحة أوجد القانون ظرفا مشددا لهذه الجريمة يتمثل في صفة الجاني

الظرف المشدد هذا يتعلق بصفه الجاني ، اذ يتوقع وقوع الجريمة من عصابة مسلحة ، وفي هذه الحالة  يتوفر الظرف المشدد بالنسبة الى مؤلف العصابة ، ومن تولى زعامتها او تولى فيها قيادة .

والمراد بالعصابة في هذا الصدد كل جمعية منظمة يديرها او يتزعمها بعض أفرادها ولايشترط توافر عدد معين من هذه العصابة ، وكل ما يجب هو ان تكون العصابة مسلحة ، اي حاملة للأسلحة ، ولايشترط ان يكون السلاح في أيدي أفرادها بل يكفي ان يكون تحت تصرفهم ، ويكفي أيضا ان تتوفر صفة التسليح الى غالبية أعضائها ولو لم يحمل السلاح مؤلفها ت وزعيمها اومن له قيادة فيها .

ولا يتوافر الظرف المشدد بالنسبة لجميع أعضاء العصابة وغنما يقتصر على مؤلفها أو زعيمها او من تولى قيادة فيها ، ومؤلف العصابة هو الذي قام بتشكيلها الاختيار أعضائها ، وقد يتعدد مؤلفو العصابة الواحدة ، وزعيم العصابة هو قائدها الذي يوجه العصابة ويديرها ، تما من تولى قيادة العصابة فهو كل عضو أسندت اليه مهمة رئاسية على غيرة من أعضاء العصابة تعطيه قدرا من سلطة التوجيه أو الإدارة او الاشراف على اعمال العصابة أو أعضائها

فاذا توافر هذا الظرف عند احد الأشخاص في العصابة كانت العقوبة الإعدام .

 

 

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

ثلاثة أسباب محتملة وراء اختطاف القطريين بالعراق ....!

  السبب الأول " مؤتمر العراق في قطر ، أو حوار الدوحة "  نعود مع أحداث المؤتمر الى شهر سبتمبر 2015 وهو الشهر ذاته الذي عادت...